جولة عبر محطات خط سكة حديد درعا ـ حيفا


 [مرّت في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول ذكرى افتتاح خط السكّة الحديدية الواصلة بين المدينتين حيفا ودرعا في العام 1905. كانت انطلاقة هذا الخط في عهد الدولة العثمانية جزءاً من مشروعها الحداثي لتعزيز سلطتها عبر ربط المناطق الاستراتيجية في هذا الشق من امبراطوريتها المتداعية حينذاك. حمل القطار معه تغييرات حياتية اجتماعية واقتصادية وسياسية شتى إلى المدن والقرى التي مر بها وساهم في تطورها وتطور أهلها. إلا أنه، كما هو الحال في بقاع أخرى، كان أداة وظفها الاستعمار لبسط سيطرته ونفوذه في الأراضي التي احتلها. ولم تكن أرضنا استثناء في حقبة الاستعمار البريطاني في فلسطين والاستعمار الصهيوني الذي واكبه وأعقبه، كما يبيّن المقطع التالي من كتاب "الخط الحديدي الحجازي/ تاريخ وتطور قطار درعا – حيفا" للمؤرخ الفلسطيني جوني منصور، والصادر عن مؤسسة الدراسات المقدسية (2008). وإن كان هذا التاريخ يحمل نقائضه وأنقاضه فهو يحمل لنا كذلك صورة عن حقبة تاريخية، متوارية الآن خلف حدود وواقع سياسي دمرا هاتين المدينتين العريقتين والمحطات التي وصلت بينها، نستعرضها في محاولة لترميم ذاكرة علاها غبار كثيف منذ ذلك اليوم من العام 1905]  

بلغ عدد محطات الخط الحديدي درعا ـ حيفا 13 محطة حتى الحرب العالمية الأولى (1). ولكن تغييرات وتحولات حصلت على طول هذا الخط خلال فترة الانتداب البريطاني، وفي الأخص زيادة عدد محطات الخط. بلغت هذه الزيادة المتواصلة أوجها في الأربعينيات في أعقاب الزيادة في عدد المستوطنات اليهودية التي أُقيمت بمحاذاة الخط أو في مناطق قريبة منه في مرج ابن عامر وغور الأردن الشمالي بين بيسان غرباً ومصب بحيرة طبريا شرقاً.

وقد شهدت منطقة مرج ابن عامر حركة استيطانية يهودية نشطة جداً في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. فأراضي المرج تحولت لملكية الـ”كيرن قييمت“ [الصندوق القومي اليهودي] في أعقاب صفقات شراء الأراضي المتعاقبة التي نفذتها الوكالة اليهودية ومؤسساتها الفاعلة في هذا الميدان. ومع ازدياد حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أعقاب صعود النازية إلى الحكم في المانيا بقيادة هتلر، وأيضاً نتيجة لتوالي جرائم هذا النظام في أوروبا تمَّ توجيه المهاجرين اليهود إلى فلسطين في أعداد كبيرة بدلاً من توجيههم إلى الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية الغربية. ووصلت مجموعات من هؤلاء المهاجرين إلى فلسطين بإذن من السلطات الانتدابية البريطانية وبعضهم دخل إلى فلسطين بصورة غير شرعية. وعملت المؤسسات الصهيونية على إقامة عدد كبير من المستوطنات في أراضي مرج ابن عامر لاستيعاب مهاجرين يهود ليعملوا في ميادين الزراعة والرعاية، وبالتالي يؤدون رسالة الصهيونية المركزية ألا وهي ”إنقاذ الأرض“.واستفادت هذه المستوطنات من الخط الحديدي الواصل بين درعا ومدينة حيفا على الساحل الفلسطيني للبحر الأبيض المتوسط. (راجع الفصل الخاص عن مكاسب الاستيطان اليهودي من هذا الخط).

وكونت مدينة حيفا منفذًا بحريًا هامًا للغاية بالنسبة للحركة الاستيطانية اليهودية ليس فقط في مناطق المرج، إنما لكافة مناطق الجزء الشمالي من فلسطين. من جهة أخرى، فإن تطور حيفا الصناعي والتجاري والإداري والسياحي ساهم في جعل مستوطنات مرج ابن عامر مصدرًا لتزويد هذه المدينة بما تحتاج إليه من مواد غذائية ومنتجات زراعية وغيرها(2). وبالتالي فإن وجود الخط الحديدي المشار إليه كان عبارة عن مساهمة مركزية لتسهيل نقل هذه المواد والمحاصيل من المستوطنات إلى مدينة حيفا. لهذا أخذ عدد محطات القطار على طول الخط بالازدياد عند مداخل المستوطنات اليهودية أو بالقرب منها. بينما، وهذا ملاحظ بوضوح، لم تتمتع قرى عربية باقية في مرج ابن عامر أو خارجه من هذا الخط ومساهمته. وعلينا الإشارة هنا إلى أن عددًا كبيرًا من قرى المرج قد تم تدميرها أو ترحيل سكانها عنها بذريعة ملكية الوكالة اليهودية لأراضي المرج بما فيها الأراضي المقامة عليها هذه القرى. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الخط في أساسه، أي عند مده في مطلع القرن العشرين أثناء الحكم التركي على فلسطين، لم يمر في قرى عربية أو بالقرب منها إلا بما تقتضيه حاجة القطار إلى المياه لتزويد خزاناته.

لقد كان اهتمام مهندسي ومصممي الخط ومحطاته توفر المياه (آبار وينابيع) في مواقع محددة على طول الخط لتزويد خزّانات القطارات بما تحتاج إليه من كميات المياه لتسييرها، وكذلك كان الهم المركزي للسلطات التركية ربط الخط بالمدينة الساحلية "حيفا" ليكون له ـ أي للخط ـ منفذًا إلى البحر الأبيض المتوسط.لهذا رأينا من المناسب ذكر محطات القطار على طول الخط، ما بقي منها وما اندثر عبر الزمن، لتعريف القارئ على تطور الخط ومساهمته في تطوير مناطق ومواقع معينة في فلسطين، خاصة المناطق التي نجحت فيها الحركة الاستيطانية من إقامة مستوطنات بصورة مكثفة، وعلى وجه الخصوص في مرج ابن عامر وغور بيسان.

انطلاقتنا من مدينة حيفا باتجاه درعا (آخر محطة للقطار في جزئه الفلسطيني هي في قرية سمخ).

محطة حيفا الشرقية (وتعرف بـ "محطة سكة الحجاز")

اعتبرت هذه المحطة الأكبر بين محطات القطارات في فلسطين. تم تشييد مبنى المحطة اعتمادًا على تصاميم ألمانية. وتكون المبنى من جناحين يفصل بينهما برج ثُبتت في أعلاه ساعة. وانهار الجناح الشرقي من هذا المبنى نتيجة عملية تخريبية نفذتها عصابة الايتسيل في 20 أيلول 1946. قاد هذه العملية يوئيل كمحي مستخدمًا برميلًا حوى أكثر من 100 كغم متفجرات.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المليحة الشرقية

قرية النجيح

اليادودة